محو التعليم في غزة- استهداف المدارس يقوض القانون الدولي.

المؤلف: سونيا بن جعفر10.12.2025
محو التعليم في غزة- استهداف المدارس يقوض القانون الدولي.

في العاشر من شهر أغسطس/آب، شهدت مدينة غزة فاجعة مروعة، إذ أدى قصف إسرائيلي استهدف مدرسة التابعين إلى استشهاد أكثر من مئة شخص، غالبيتهم من الأطفال الذين لجأوا إليها طلبًا للأمان. وتعتبر هذه الحادثة المأساوية واحدة من بين سبعة عشر اعتداءً دامياً طال مدارس القطاع خلال الشهر الفائت، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. لقد تحولت المؤسسات التعليمية، التي كان من المفترض أن تكون ملاذًا آمنًا للنازحين، إلى أهداف متكررة في هذه الحرب الطاحنة، مما أدى إلى طمس الفروقات بين المقاتلين والمدنيين الأبرياء.

في هذا الأسبوع، كان من المفترض أن يستقبل عشرات الآلاف من الأطفال عامًا دراسيًا جديدًا مليئًا بالأمل والتفاؤل، ولكنهم اليوم يعيشون كابوسًا مرعبًا يُدعى "إبادة التعليم"؛ وهو مصطلح أُبتكر خصيصًا ليصف حجم الدمار الذي لحق بالتعليم في غزة.

تجدر الإشارة إلى أن الدكتورة كرمة النابلسي، الأستاذة بجامعة أكسفورد، هي من صاغت هذا المصطلح المؤلم خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في الفترة ما بين عامي 2008 و2009، عندما استُهدفت المدارس ووزارة التربية والتعليم والمباني التعليمية الأخرى بشكل مباشر. واليوم، أصبح حجم الخراب الذي حلّ بالنظام التعليمي في غزة يفوق التصور: فقد قُتل آلاف الطلاب ومئات المعلمين، ودُمرت أو تضررت مئات المدارس على مدار الأشهر الإحدى عشر الماضية.

إن هذا التدمير الممنهج والمتعمد للنظام التعليمي في غزة لا يهدد مستقبل مئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين فحسب، بل يطال أيضًا النظام الإنساني الدولي برمته، ويقوض بوصلتنا الأخلاقية المشتركة. فالمؤسف حقًا هو أن المجتمع العالمي يبدو وكأنه يتجه تدريجيًا نحو قبول ما لا يمكن قبوله أبدًا. إن تطبيع العنف ضد المدارس هو مؤشر خطير ينذر بأزمة أعمق في قيمنا العالمية النبيلة، حيث لم يعد ضمان حماية الأبرياء أمرًا مفروغًا منه، وتتآكل إنسانيتنا شيئًا فشيئًا.

تجدر الإشارة إلى أن اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية تنص بوضوح على أن الاعتداء على المدارس يعتبر انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ومع ذلك تستمر هذه الاعتداءات بشكل ممنهج. فوفقًا للإحصائيات التي جمعتها منظمة اليونيسيف، تم استهداف 318 مدرسة في قطاع غزة بشكل مباشر حتى السادس من شهر يوليو/تموز الماضي. ومنذ ذلك الحين، وقعت عشرات الاعتداءات الأخرى التي تستهدف المؤسسات التعليمية.

إن الجدالات التي تدور حول ما إذا كان الهجوم على مدرسة التابعين في العاشر من أغسطس/آب الماضي قانونيًا أم لا، بحجة وجود مقاتلين محتملين من حركة حماس، تتجاهل النقطة الأساسية. فالمدارس هي أماكن مخصصة للتعليم حصراً، ولا يجوز استغلالها لأغراض عسكرية. هذه الأعمال العسكرية تمثل اعتداءً مباشرًا على الحقوق الأساسية للمدنيين، وخاصة الأطفال الذين يحق لهم الحصول على التعليم في بيئة آمنة.

وإلى جانب الأضرار الجسيمة التي تلحق بالأطفال والشباب، تؤدي هذه الهجمات غير المبررة على المدارس إلى تفاقم التوترات بشكل كبير، مما يقوض الجهود المبذولة للتوصل إلى حل عادل ودائم وشامل يضمن حقوق جميع الأطراف.

إن الحق في التعليم هو حق أساسي منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهو حق مكفول حتى في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة، كما تنص على ذلك أحكام اتفاقية جنيف الرابعة. فكيف يمكن ضمان هذا الحق المشروع للأطفال الفلسطينيين إذا كانت مدارسهم تتحول إلى ركام وأنقاض بفعل القصف والتدمير؟

ومما يثير الأسف والقلق أن الاعتداءات على أماكن التعليم لا تقتصر على غزة وحدها. فوفقًا لتقارير اليونيسيف، ومنذ تصاعد الحرب في أوكرانيا في شهر فبراير/شباط من عام 2022، تم تدمير أو إلحاق الضرر بأكثر من 1,300 منشأة تعليمية في مختلف أنحاء البلاد.

وبحسب التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات (GCPEA)، فقد ازدادت الحوادث التي تستهدف التعليم والاستخدام العسكري للمدارس بنسبة تقارب 20% في عامي 2022 و2023 مقارنة بالعامين السابقين، مما يؤكد على تصاعد وتيرة هذه الاعتداءات الخطيرة.

إن قدرة المجتمع الدولي على تطبيق الحماية المنصوص عليها في القانون الإنساني الدولي، وخاصة اتفاقيات جنيف، تتراجع بشكل ملحوظ. هذه القوانين، التي صادقت عليها أكثر من 190 دولة، تلزم بحماية المدنيين، بمن فيهم الأطفال، أثناء النزاعات المسلحة، وتدعو إلى محاكمة ومعاقبة المخالفين.

ومع ذلك، فقد فشلت هذه الالتزامات في حماية الأطفال في غزة وغيرها من مناطق الصراع الملتهبة. وبينما تظل الدعوات المطالبة باتخاذ إجراءات فورية، مثل وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية، ضرورية، إلا أنها ليست بديلًا عن الإجراءات الحاسمة التي تهدف إلى تطبيق أحكام القانون الدولي بشكل كامل وفعال.

عندما يتسامح المجتمع الدولي مع انتهاكات القانون الدولي على مدى شهور وسنوات طويلة، فإنه يساهم في إحداث تطبيع تدريجي لهذه الانتهاكات، مما يؤدي في النهاية إلى إضعاف المعايير العالمية، ويجعل الأفعال التي كانت غير مقبولة في السابق تبدو قابلة للتسامح والتعايش معها. وعندما يصبح استهداف المدارس أمرًا مقبولًا على نحو متزايد، فإن ذلك يشكل خيانة جوهرية للمبادئ الأساسية للنظام القانوني الدولي ولحماية المدنيين الأبرياء.

إن الخيار المطروح أمامنا واضح وجلي: إما أن نتحرك بحزم وقوة لدعم مبادئ القانون الإنساني وحماية الأبرياء، أو أن نسمح باستمرار تآكل قيمنا المشتركة دون حسيب أو رقيب. لا يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدي وغير مبالٍ بما يحدث، لأن تكلفة عدم التحرك ستقاس بحياة ومستقبل الأطفال الذين هم عماد المستقبل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة